### **"جثة على الهامش": حين تصبح الجريمة مرآة للمجتمع في سلسلة "المترصد"**
في المشهد الأدبي العربي المعاصر، الذي يشهد
نهضة ملحوظة في أدب الجريمة والغموض، تبرز أعمال الكاتبة المصرية أمل العشماوي
كعلامة فارقة، مقدمةً للقارئ تجربة سردية تجمع بين الحبكة المتقنة والعمق النفسي
والتحليل الاجتماعي. وتُعد روايتها "جثة على الهامش"، وهي الجزء
الافتتاحي من سلسلة "المترصد"، نموذجًا مثاليًا على قدرتها في الارتقاء
بهذا الجنس الأدبي من مجرد لغز بوليسي إلى استكشاف معقد للطبيعة البشرية وهوامش
المجتمع المنسية.
![]() |
### **"جثة على الهامش": حين تصبح الجريمة مرآة للمجتمع في سلسلة "المترصد"** |
**مدخل إلى عالم "المترصد" أكثر من
مجرد جريمة**
تستهل الرواية أحداثها بالعثور على جثة، وهو حدث
كلاسيكي في أدب الجريمة، لكن العشماوي سرعان ما تحرف المسار التقليدي. فالعنوان
نفسه، "جثة على الهامش"، يحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مسرح
الجريمة. فهو لا يشير فقط إلى مكان العثور على الضحية، بل يلمح ببراعة إلى هوية
الضحية نفسها؛ شخصية ربما عاشت وماتت على هامش اهتمام المجتمع، أو ربما يشير إلى
أن الجريمة ذاتها، بكل بشاعتها، ليست سوى عرضٍ لمرض اجتماعي أعمق، تفصيلة هامشية
في صورة أكبر وأكثر قتامة.
- تدور الأحداث حول محقق، هو بطل السلسلة الذي استمدت منه اسمها "المترصد". هذا المحقق ليس
- مجرد موظف يطبق القانون، بل هو شخصية مهووسة بالتفاصيل، يجد شغفه في تفكيك الألغاز الأكثر
- تعقيدًا. دافعه ليس مجرد حل القضية وإغلاق الملف، بل ترك بصمة فريدة وفهم الدوافع الخفية التي
- تقبع خلف ستار العنف. إنه "يترصد" الحقيقة، يراقب الظلال، ويقتفي أثر الخيوط الدقيقة التي
- يتجاهلها الآخرون، مما يجعله شخصية مركبة تتأرجح بين العبقرية
والوسواس.
**بناء الشخصية والعمق النفسي**
أحد أبرز مكامن القوة في الرواية هو بناء الشخصيات، وعلى رأسها المحقق "المترصد". تقدمه العشماوي كشخصية رمادية، بعيدة عن الصورة النمطية للبطل الخارق. نراه يتعامل مع ضغوط عمله، مع بيروقراطية الأجهزة الأمنية، ومع أشباح قضاياه السابقة.
- هذا العمق النفسي يجعله شخصية واقعية يسهل على القارئ التواصل معها والتعاطف مع صراعاتها
- الداخلية. فعملية التحقيق لا تقتصر على جمع الأدلة واستجواب الشهود، بل تتحول إلى رحلة داخل
- نفس المحقق نفسه،
الذي يرى في كل جريمة انعكاسًا لجزء من الفوضى الكامنة في العالم وفي روحه.
على الجانب الآخر، لا تهمل الرواية رسم شخصيات المشتبه بهم والضحايا. تستكشف "الجوانب الخفية من حياة المجرمين"، كما ورد في الملخصات الأولية، لكنها تفعل ذلك بحساسية فنية، محاولةً فهم السياق الذي أنتج الجريمة، دون تبريرها بالضرورة. إنها تغوص في بيئاتهم الاجتماعية، في أحلامهم المحطمة، وفي لحظات الضعف التي دفعتهم إلى حافة الهاوية، مما يضفي على السرد طبقة إنسانية مؤثرة.
**الأسلوب السردي واللغة**
تتميز أمل العشماوي بلغة عربية فصحى، تتسم بالسلاسة والجزالة في آن واحد. أسلوبها السردي مشوق، يعتمد على إيقاع متصاعد يبقي القارئ في حالة ترقب دائم. هي بارعة في خلق الأجواء، حيث يصبح وصف المكان والطقس والروائح جزءًا لا يتجزأ من حالة التوتر والغموض.
- لا تعتمد على الصدمات المجانية أو العنف المفرط، بل تبني التشويق من خلال الحوارات الذكية
- والتلاعب بالشكوك، والكشف التدريجي والمدروس عن المعلومات. هذا الأسلوب يجعل القراءة تجربة
- ممتعة فكريًا
وعاطفيًا، حيث يشارك القارئ المحقق في عملية التفكير والتحليل.
**"جثة على الهامش" كبداية لسلسلة واعدة**
كون هذه الرواية هي الأولى في سلسلة "المترصد" يمنحها بعدًا إضافيًا. فهي لا تقدم فقط قصة مكتملة ذات بداية ونهاية، بل تضع حجر الأساس لعالم أكبر وشخصيات ستنمو وتتطور مع كل جزء جديد. تنجح "جثة على الهامش" في تعريفنا بالمحقق ومنهجيته وطبيعته المعقدة
- وتتركنا في شوق لمعرفة المزيد عن مغامراته القادمة وتحدياته المستقبلية. إنها بداية قوية تعد القارئ
- بسلسلة من التحقيقات التي لن تكون مجرد ألغاز بوليسية، بل تأملات في العدالة والحقيقة والجانب
- المظلم من النفس البشرية.
ختامًا
يمكن القول إن رواية "جثة على الهامش" عمل أدبي يستحق الإشادة، نجحت من خلاله أمل العشماوي في أن تقدم عملًا متكاملًا يرضي عشاق أدب الجريمة، وفي الوقت نفسه يمتلك ثقلًا أدبيًا وفكريًا يجعله إضافة قيمة للمكتبة العربية الحديثة.
إنها رواية تؤكد أن أفضل قصص الجريمة
هي تلك التي لا تكشف عن القاتل فحسب، بل تكشف شيئًا عن أنفسنا وعن المجتمع الذي
نعيش فيه.